أول أيام الحجر المنزلي


الخميس 19 مارس
(بعد مرور 83 يوما على تفشي الوباء عالميا)


كنت وضعت على تويتر بالأمس تغريدة قلت فيها أن من حقنا أن نسائل القطاع الخاص، لا سيما الشركات الكبيرة منه، عن دورها في مكافحة الفايروس، وما الذي ستقوم به تجاه المجتمع. خصوصا تلك التي تربح ملايين الدنانير سنويا بشكل متتابع ودونما خسارة، مستفيدة من الامتيازات المتعددة التي تقدمها لها الحكومة، والولاء المستمر لها من قبل المستهلكين البحرينيين. وهذا وقت يجب عليها فيه أن تبذل شيئا من أرباحها المستبقاة من أجل دعم المجتمع والمحافظة عليه.

اقترح علي من يعرفني أن استغل فترة الحجز لإنهاء الرواية التي كنت أكتبها ولا أجد لها الوقت. كانت الفكرة لدي واضحة جدا لسير الرواية وفي أي طريق سأمضي بها فيه، فقد بدأت كتابتها منذ وقت طويل، وهي مرت بمراحل من حيث الفكرة. مذ كانت مجرد نصوص مبعثرة، حتى تحولت شيئا فشيئا لرواية كاملة. كنت إذا شئت المضي في الكتابة، أحاور شخوصها وأجالسهم وكأني آخذ مواعيد معهم. أحاول سبر أغوارهم لمعرفة أحاسيسهم تجاه الأحداث التي يمرون فيها. ومن أجل الوصول لتلك المرحلة من الإحساس كنت بحاجة للوقت "لأدخل" في المزاج المطلوب. يقال أن الكاتب مزاجي بطبعه ومتلون. لا أدري إن كنت كذلك.

اليوم هو الأول لي للحجر المنزلي بعد فحص الأمس. لا أشعر بخير أبدا رغم أن نتيجة الفحص كانت سلبية. لكن المشاهد التي نراها حول العالم مزعجة ومتعبة ومدهشة ومبكية في آن. حينما يقدم الجيش الإيطالي على نقل 600 جثة لمتوفين نتيجة الفايروس إلى أماكن نائية لحرقها ودفنها في مشهد مهيب نقلته كاميرات الصحف حول العالم، فهذا بلا شك مشهد لا يشعر المرء بالخير تجاهه.
تشاغلت بالقيام ببعض المهام للعمل، ولم يكن بداخلي أي رغبة في القيام بأي منها. زملائي كانوا يتساءلون: هل نحن مجازون؟ أم علينا أن نعمل؟
ليس صعبا على أحد أن يدرك كم الضيق الذي يحمله كل منهم. أجبتهم: نحن في الحقيقة لسنا مرضى. فرد علي أحدهم: نحن مرضى بالإحساس!
كان لزاما علي أن أوجه لهم كلمات تشجيع تثير التفاؤل بينهم وتدفعهم للقيام بما يودون فعله من أمور تخفف عليهم وحدتهم وضيقهم. فجميعهم محجور عليهم بحسب تعليمات الفريق الطبي الذي باشرنا يوم الأمس. فقلت لهم: الحمد لله أن نتائج الفحص كانت سلبية. نحن بخير وسنبقى أقوياء طالما بقينا مع بعضنا وساند أحدنا الآخر. في هذا الوقت نحن بحاج لأن نقوم ببعض الأعمال حتى لو من باب الترفيه عن النفس. فمن غير المعقول أن نستسلم لمشاعر الإحباط بالرغم من سلامتنا. فلنتكاتف جميعا.

بالرغم من أننا في مارس، إلا أن درجات الحرارة بدأت في الارتفاع حتى صار لزاما أن نستخدم مكيف الهواء في بعض أوقات اليوم.
حينما طلبنا الغداء، جاء به عامل التوصيل البنغلاديشي. وبعد تسليمي الأكل، قال: "إنشاء الله ما يجي كورونا داخل بهرين. إن شاء الله. الله معلوم وين نفر مو زين. تشاينا، إيتالي، فرانسا.. لكن نفر مسلم ما يجي كورونا.."
ثم أضاف وهو يضع خوذته قبل أن يتحرك: "بنجلاديش ما يجي. نفر كله يصلي يصلي."
كان أول خبر تلقيته بعدها بأقل من دقيقة أن عدد المصابين قد ازداد في البحرين، وأنه تم اكتشاف 13 حالة جديدة.
وزارة الصحة الإيرانية أعلنت أن معدل الإصابات بالفايروس هناك بلغ 50 حالة إصابة في كل ساعة، ووفاة شخص كل 10 دقائق!
أما في ألمانيا فبلغ عدد المصابين حتى اليوم 10 آلاف مصابا. والإصابات المسجلة في أمريكا أقل من هذا بقليل.
اتصل بي الصديق العزيز "ألف عين" من الجزائر. أراد أن يطمئن على الأحوال مع انتشار هذا الوباء في كل حدب وصوب. قال لي أن الجزائر بلغ فيها عدد المصابين 90 مصابا معلنا، توفي فيها جراء المرض حتى اليوم تسعة. كانت النسبة مرتفعة بلا شك. هذه عشرة في المائة من المصابين. في نظره، سبب الارتفاع هو عدم اكتراث الناس بالاعتناء بالضوابط الصحية. شاركني منشورا فحواه: "حينما ارتفعت قيمة الكمامة الواحدة إلى 20 دينار، عرفنا سبب كون سورة المنافقين أطول من سورة الكافرين في القرآن."
ومما قاله "ألف عين" أن الجزائريين استغلوا انتشار الخوف من الوباء لتيسير أمورهم التي كان يصعب عليهم القيام بها من قبل، فيلبسون الكمامات ويدّعون إصابتهم بالمرض إذا أوقفتهم الشرطة للسؤال عن هوياتهم وأوراق ثبوت سياراتهم، مستغلين خوف الشرطي من التعامل معهم وليصرفهم بسرعة.
حينها أدركت فعلا سبب انتشار المرض بسرعة في الجزائر. فالشرطي يصرف من يدّعي المرض، عوضا عن إيقافه وإرساله للحجر!
قبل أسبوعين كنا نسمع عن أخبار الفايروس ولا نولي الاهتمام الكبير بها، وإذا بي اليوم محجور علي ومطالب بالبقاء مبتعدا عن الجميع. أعرف أن بقائي هنا احترازيا، فالاختبارات أثبتت عدم إصابتي بشيء حتى الآن، لكن يستلزم مني البقاء بعيدا عن الجميع حتى تنتهي فترة الاحتضان المفترضة وبعدها يترك المجال لي للعودة لحياتي الطبيعية.
كان علي أن أنام هذه الليلة على كرسي في المكتبة. أطفأت المكيف ففي الليل يتحسن الطقس قليلا ولا أحتاج له. كنت أفكر في الأيام القادمة. كيف ستتطور الأمور؟ ما الذي سيتعين علينا عمله؟ ما الذي علينا أن نفقده أو نتخلى عنه؟


Comments

Popular posts from this blog

سادس أيام الحجر.. وباء برتم أرجوحة

سارة وصديقتها

زيارة جميلة