بين رائحة دهن العود،، وكحول المعقم


الثلاثاء 31 مارس
(بعد مرور 95 يوما على تفشي الوباء عالميا)

يبدو هذا الأمر صغيرا لكثيرين. لكني بدأت في التفكير في محاولة صنع الخبز داخل المنزل. وللحقيقة، استمتعت جدا بهذه الفكرة خاصة أني لم أكن أستطيع سوى قلي البيض. وبما أني صرت أستخدم ثمرات الطماطم من حديقة المنزل، وسأصنع الخبز بنفسي، فلم لا أشتري دجاجا يؤمّن لي البيض وأحيانا المزيد من الدجاج، وأعلن الاكتفاء الذاتي؟
لا يتعدى هذا الإعلان دائرة الفكاهة. لكنه مرتبط بما أعلنته وزارة التجارة والصناعة اليوم من أن كميات الأغذية المضبوطة التي اكتشف تخزينها بالأمس في الأسواق ستباع ويودع مدخول بيعها في خزينة الدولة.

على الضفة الأخرى من معترك الحياة، فقد تفاجأنا بعد أيام من سرعة التعافي من الفايروس بين المصابين به في البحرين، وبعدما نال القلوب بعض الاطمئنان، قفز عدد الإصابات المعلنة في البحرين فجأة بعدد 52 شخصا، منهم 48 مصابا جراء المخالطة.
العدد هو الأكبر في يوم واحد، والخطر أن نسبة المخالطة هي الآخذة في الارتفاع.
أفضل ما صار في هذا اليوم هو تعليق جلسات البرلمان بشكلها التقليدي (داخل مبنى المجلس) لمدة شهر ونصف ضمن توجيهات "منع التجمعات". كان آخر ما ناقشوه هو مقترح لفرض ضرائب على الشركات، فقال أحدهم – قبل أن نفرض ضرائب على الشركات، ما الذي فعلناه نحن للشعب؟ لماذا لا نتبرع برواتبنا لمدة ثلاثة شهور قادمة؟ طبعا لا يمكن لمثل هذا المقترح أن يمرر. وقد سبب طرحه فعلا موجة عاصفة من الاحتجاجات والتراشق في الكلام بين الأعضاء ثم أثمر عنه رفض المقترح. لم يكن هذا مستغربا البتة، وما جاء كفر السواد الأعظم من الناس بالتجربة البرلمانية من فراغ.

حينما نشر أحد المحجور عليهم لقطات مصورة من منطقة سترة، مشيرا إلى أن مجموعة كبيرة من الآسيويين تم جلبهم لمخيم تابع للمحجر، قال فيما ذكر أن إضافة هذا العدد الكبير منهم في المحجر أمر يبعث يقلق المواطنين المحجور عليهم فيه، معللا ذلك بأن الآسيويين لهم عادات لا يراعون فيها النظافة الشخصية والمجتمعية. رغم انتقاد البعض له، إلا أن الكثيرين من ناحية أخرى أكدوا على صحة ما يدعو إليه، وتم فعلا في اليوم الثاني عزل القادمين الجدد عن البقية. كان مؤسفا تمادى البعض في اتهام الرجل بالعنصرية رغم أنه لم يجيء بشيء عنصري بل اكتفى بنقل القلق البائن من أمور تتعلق بالنظافة والممارسات التي اعتادوا عليها – وربما أثبتت لنا الأيام القادمة جانبا من مشروعية هذا القلق.


آخر ما حدث هذا النهار، أنه وبعد أيام من نشر ابنه فيديو مصور لمعاناته في إيران، انتشر خبر وفاة الحاج (عين) بعد أن أدخل إلى العناية القصوى في مدينة مشهد إثر تعثر رحلتهم إلى البحرين. هو الرجل السابع الذي يتوفى وهو عالق في إيران في هذه الكارثة المؤلمة. الخبر حمل معه الكثير من الحزن. هذا الرجل طالما حملت له في ذاكرتي صورة واحدة: رجل أنيق يضع عطرا عربيا ويلبس ثوبا مطرزا ولا تفوته صلاة الجماعة رغم بعد الجامع عن منزله، وابتسامه الدائم في وجوه الناس صغارا وكبارا، وأخلاقه الرفيعة في السلام والتحية لهم من غير تفريق. رحل عن دنيانا في بلد بعيدة، وكان ينتظر الرجوع. ساءلت نفسي: حينما كنت صغيرا أصافح الحاج (عين) وأشم بعد ذلك ما علق في يدي من عطر العود الذي يضمخ بها يده، هل كنت أتصور أن يحدث له ولنا كل الذي جرى بعد كل هذه السنوات؟

رفعت يدي لأشمها مستذكرا، وما وصل لأنفي إلا رائحة ما علق بها من بقايا كحول المعقم.

Comments

Popular posts from this blog

سادس أيام الحجر.. وباء برتم أرجوحة

سارة وصديقتها

زيارة جميلة