سارة وصديقتها


السبت 28 مارس
(بعد مرور 92 يوما على تفشي المرض عالميا)

سارة ابنتي لها صديقة خالطت إخوة لها ثبت إصابتهم بالفايروس، فعاشت الاثنتان "سارة وصديقتها" قلقا لم ينته حتى رأيت الصدمة في وجهها هذا الصباح وهي تبلغني أن صديقتها أصيبت بالفايروس هي الأخرى وتم نقلها للحجر في مركز كانو.

لم ينشرح وجه سارة إلا قرب الظهر بعدما اطمأنت على صديقتها وهي "تشاركها" من المحجر وجبات الطعام وترى تنقلاتها في المحجر وهي تشير: "الحين بتنزل تروح تسوي ليها كوفي (قهوة) من المطبخ". ورأيت أنهما في أثناء محادثتهما استوقفها طبيب يمازحها كدأب أعضاء الفريق الطبي للترويح عن المحجورين.

لا يجب أن تفوت لحظة دون التأكيد على أن الطواقم الطبية أثبتت قدرتها على تحمل المسؤولية بكل جدارة وهمة وأريحية، وأنهم كانوا مثالا للأخلاق والتعامل الراقي رغم ما يمرون به بظرف حافظوا خلاله بوجه لبقة باشة المحيا ما يدعو للفخر.

هل قلت أن الإحساس الأول الذي ستصدم به حين تخرج من البيت هو رؤية الناس تبحث عن الفايروس في عينيك؟ هذا ما أحسست به فعلا اليوم وأنا أنتقل في للقيام بأعمالي المختلفة بين شتى الأماكن.

أعترف أن الأزمة الحالية جعلتني أتفكر كثيرا في طريقتنا بالتعامل مع الخوف. فقد اتسعت الدائرة لتشمل خوف الواحد منا من الآخر، وخوفه من ملامسة الأشياء، وخوفه من التنفس في محل عام، ومخاوف ذات أشكال أخرى كثيرة. لكن الخوف الأكثر إلحاحا بينها هو الخوف من المجهول. الخوف من شيء لا تراه، ولا تدري أين يوجد، وعلى أي الأسطح حط، أو في أي الأجسام توارى.

كنت أرى الناس فعلا تبحلق في عيون بعضها البعض مليئة بالأسئلة، مكنوزة بالمشاعر، تفصح عن شيء واحد فقط هو "أني خائف".

لم تعد الأخبار الحسنة تنتشر بيننا. لا يحلق فوق رؤوسنا إلا الغراب. واليوم جاء لينعق لنا بخبر وفاة سادس مريض بحريني من العالقين في إيران.

ما خفف من وقع الخبر هو التصريح الذي أدلى به رئيس الوزراء العائد لتوه من رحلة علاج بالخارج، بأن "الحكومة حريصة على عودة أبنائنا الذين تقطعت بهم السبل بسبب إغلاق المطارات احترازيا." وإضافته: "لا نقبل أبدا وتحت أي مبرر أن يتعرض مواطن لأي مكروه، والحكومة لم ولن تتخلى عن مواطنيها فهم في رعايتها أينما كانوا."

أما بخصوص العالقين، فبعد التنسيق بين البحرين وعمان، وصلت الطائرة التي أقلت البحرينيين من مطار مسقط وتم أخذهم للمحجر مباشرة ضمن الإجراءات المعمول بها. لم يستغرق أمر ترتيب طائرة لهم إلا نهارا واحدا وهذا في رأيي يدل على الجدية رغم ما قيل ويقال.

أما من الدوحة فقد أصدرت بيانا اتهمت فيه البحرين برفض عرضها نقل البحرينيين الذين وصلوا إليها أمس قادمين من إيران. لفت انتباهي في البيان القطري التأكيد على العنصر المالي في أكثر من مكان. ففي جزء ذكرت أن قطر ستتكفل باستضافة البحرينيين "على نفقتها" وفي آخر أنها عرضت نقلهم إلى البحرين "على نفقتها" مما أثار استيائي حقيقة من الطرح وكأن الموضوع مادي وليس إنساني.

وكانت البحرين قد أصدرت بيانا في نفس اليوم طالبة من السلطات القطرية "عدم التدخل بما يؤثر على خطة الإجلاء القائمة لعودة المواطنين البحرينيين لبلدهم وبما يحفظ صحتهم وسلامتهم."

أظن أن الموضوع هذا يحتاج إلى أن يوضع في سياق كامل حتى يُفهم.
فهناك مواطنون بحرينيون علقوا في إيران وكانوا في غاية التعب والإجهاد النفسيين لبقائهم في دولة غريبة لم توفر لهم المساندة الصحية فهي لم تكن قادرة أساسا على حماية مواطنيها من الفايروس القاتل الذي أودى بحياة 2500 حتى اليوم. فمن الطبيعي في هذا السياق أن يركب البحريني المعقول واللامعقول من أجل الفرار بجلده من هذه الأجواء الموبوءة وسيدخل دول ممنوعة عليه وربما فعل أكثر من ذلك إذا كان يرى أن فعله سينجيه من الموت. لذلك فمن سافر منهم عبر قطر أو عمان أو أي وجهة أخرى فحاله إنما كحال المستجير بالرمضاء بالنار.

هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك طارئ صحي يستوجب التعامل معه بكل حذر وليس الأمر ببساطة "إعطاء الإذن لطائرة" بالسفر والنزول إلى مطار دولة مقاطعة. وربما وجدنا بعض من الإجابة في سلسلة تغريدات كتبها مستشار الشؤون الدبلوماسية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، حيث قال أن "البحرين رتبت خطة إجلاء مواطنيها العالقين في إيران بترتيب رحلات خاصة مباشرة من مطار مشهد الى مطار البحرين على دفعات تلتزم بكل معايير السلامة والاحتراز الصحي المطلوب، وليس في رحلات تجارية تعرض المسافرين الآخرين في الطائرات والمطارات لخطر الوباء".

وأضاف أن "ما قامت به قطر من نقل المسافرين العالقين ضمن رحلات تجارية من ايران إلى الدوحة ثم إلى مسقط وإعادتهم إلى الدوحة يفتقر لأدنى معايير سلامة أطقم الطائرات والمسافرين بما يعرضهم للخطر الشديد، ودون اي ترتيب مسبق مع السلطات المختصة في البحرين رغم معرفتهم بخطة الاجلاء البحرينية".

أصدر الملك حمد أمرا بتوجيه إدارة الأوقاف الجعفرية لتحمل مسؤولية العالقين في إيران وتغطية تكاليفهم حتى عودتهم إلى البحرين.

وفي الوقت الذي أعلنت منظمة الصحة عدم علمها متى ينتهي الفايروس، عرضت الصين التي بدأت تتعافى من الوباء المساعدة لمواجهة الفايروس على عدد من الدول من بيها قطر.

Comments

Popular posts from this blog

سادس أيام الحجر.. وباء برتم أرجوحة

زيارة جميلة