آخر أيام الحجر المنزلي


الخميس 26 مارس
(بعد مرور 90 يوما على تفشي الوباء عالميا)
(آخر أيام الحجر المنزلي)

كنت أقرأ تفاصيل خبر وصول الدفعة الثانية من البحرينيين القادمين من إيران. جاؤوا على متن طائرة إيرانية وليس أوكرانية كما أشيع. كما أنها لم تقل سوى 61 فردا، جلسوا في الطائرة متباعدين حتى وصولهم لمطار البحرين نحو ساعتين قبيل منتصف الليل.

اليوم هو الأخير بحسب المدة المعطاة لي للحجر المنزلي. قد يحبس الإنسان نفسه مدة من الزمن بشكل طوعي ولا يشعر بمدة هذا الحبس. أما أن تكون في أوج نشاطك وفجأة يتنزل عليك أمر بالبقاء في المنزل، فربما ستحاول كسر هذا الطوق بما جبلت عليه من روح العناد والرفض. أقول ربما، ولا أنصح به.
هما خبران، أو حدثان إيجابيان لبدء اليوم على كل حال.

الرتابة الصادرة من أرجوحة ضحى لم تعد كئيبة هذا الصباح. فتحت النافذة بمقدار أكبر مما اعتدته في الأيام الفائتة. دخل منها مزيدا من الضوء مصحوبا بنسمات هواء لأواخر أيام الشتاء. مر الشتاء هذا العام دون أن نشعر بمتعته.

انتهى وقت الحجر بالنسبة لي عند الساعة الرابعة بعد العصر.
أول خطوة خطوتها للخارج، لاحظت فردة قفاز مرمية بالقرب من مدخل المنزل. معقوفة الأصابع وتغير لونها وكان منظرها فوق الحشيش وأوراق الشجر الميت يبعث على الاكتئاب وأظنها عنوانا للجائحة. رجحت أن عامل توصيل رماها هنا لسبب أو لآخر. (الصورة)

 أخذت الجميع معي في "رحلة" لشراء العصير والقهوة. هذا المشوار الصغير الذي كنا نقضيه يوميا برتابة لا نلحظها حتى ضمن خضم مشاويرنا الأخرى، أصبح اليوم في ذاته مشوارا مطلوبا في أعقاب "أيام الحصار". عرّجت في أثنائه على البحر طلبا لبعض التنفيه، مع الحرص الشديد لعدم الاختلاط بأحد خارج العائلة أو الاقتراب من آخرين. كان الساحل على كل حال شبه خال في أعقاب متابعة دوريات الشرطة للأماكن العامة والتأكيد على منع التجمعات، لحتى أصدر وزير الداخلية اليوم قانونا بهذا المنع يفضي لسجن مخالفه.

عند دخولي لمجمع تجاري ضخم هذا المساء، أول ما وصل لمسمعي هو البث المذاع في جنبات المجمع. كان الصوت يصدح لقارئ يلهج بأدعية لدرء الأوبئة وتسأل الله السلامة والصحة. رجل لا أعرفه تزامن دخوله من البوابة معي تبرع بالتعليق: "أول مرة أسمع مشغلين قرآن. في العادة ما في الا الردح".
لم يكن القارئ يرتل القرآن بل كانت هي أدعية، لكن الرجل على صواب في أنه في الأوقات السابقة لهذا الوباء، ما كان هناك دعاء مثل هذا يرتل في جنبات المجمع. هذه عادة البشر. يرجعون إلى الدعاء حينما يشتد بهم البلاء. وقانا الله وسلمنا منه.

ذكرني هذا بفيديو رأيته لمحل يقال أنه في فلسطين المحتلة، صاحبه إسرائيلي وكان يشغل القرآن رغم أنه يهودي، وكان من يخاطبه يحادثه بالعبرية فلم أفهم ما يقول، غير أن التعليق المرفق مع الفيديو أن الإسرائيلي كان يشغل القرآن للحفظ من الفايروس. استبعدت أن يكون كل السياق صحيحا، فالعادة أن الناس ترجع لمعتقداتها لا معتقدات الآخرين. ولهذا فلا أظن أن يهوديا سيقوم بتشغيل القرآن كما لا أتوقع لمسلم أن يلجأ للإنجيل حينما تنزل به نازلة.

التغيير طال جميع أوجه الحياة ومناحيها. في البحرين يوجد مطعم مثلا كان دائم الازدحام وفي كل مرة تذهب إليه سيضطرك للانتظار في ذيل عدد كبير من المرتادين الآخرين. وكان يرفض كل أنواع التعاون مع شركات التوصيل رغم أنها، أي الشركات، أفلحت في إقناع جميع من استهدفته من المطاعم لاستخدام خدماتها. لكن في الظرف الراهن، ومع منع تناول الأطعمة في المطاعم واقتصارها على خدمات التوصيل، اضطر هذا المطعم إلى الرضوخ أخيرا أمام التحديث غير المسبوق.

في المؤتمر الصحفي الذي عقدته وزارة الصحة منذ قليل، أعلن عن إصابة 30% من القادمين من إيران مساء الأمس. لم يذكر في المؤتمر رقما محددا لهؤلاء. الأرقام لكثرة تداولها تصبح مربكة.

Comments

Popular posts from this blog

سادس أيام الحجر.. وباء برتم أرجوحة

سارة وصديقتها

زيارة جميلة