لبنان: الكورونا وصل... واللجنة لي: اجلس بالبيت
الجمعة 13 مارس
(بعد مرور 77 يوما
على تفشي الوباء عالميا)
هذا الصباح، رأيت
على قنوات التواصل الاجتماعي مناظر مرعبة هي الأخرى، لحوادث في لبنان. أشخاص
يسقطون أرضا فاقدي الوعي ويحيط بهم إما أقارب لهم في محاولة لإنهاضهم، أو فرق صحية
يلبس أفرادها اللباس الواقي لحملهم عن الطريق. ويعلق من يصورون تلك اللقطات بالقول
أن "الكورونا وصل لبنان".
أعترف أن أقل ما
يمكن أن توصف به تلك المشاهد أنها مخيفة. واضح أن انتشار الفايروس وصل هناك لمرحلة
لم تعد المستشفيات تولي اهتماما إلا بالمصابين بحالات حرجة منه.
اليوم كذلك، قامت
وزارة الصحة بمعية ومساندة من وزارة الداخلية بتطويق مبنى في منطقة سلماباد
بالبحرين بعدما تبين أن أحد العمال الهنود مصابا بالفايروس. ولأنه يقطن في هذا
المبنى، فكان العمل الاحترازي الممكن القيام به هو وضع جميع من بالمبنى تحت الحجر
وقائيا. نحن مجتمع معتمد بشدة على العمالة من الخارج في كل أوجه ومناحي الحياة،
ولهذا كان لا بد من أن يتخذ مثل هذا الإجراء وإلا فالبحرين بمجتمعها الصغير ستجد نفسها
فجأة في مواجهة أفواج من حاملي الفايروس.
عندما خرجت عصر
اليوم بعد غداء الجمعة في بيت والدي، كنت مترددا بين الجلوس في مكان لاستئناف
الكتابة، أو المضي بالقرب من البحر لأتمشى قليلا. اخترت الثانية متشجعا بتحسن الطقس
الذي يمر بأجمل أيامه بعد موجات البرد وقبل مجيء الصيف المبكر القادم.
وصلت لكورنيش
الغوص الواقع في المحرق. كان مليئا بالوافدين، فترددت: هل أبقى في السيارة لأكتب؟
أم أنزل منها وأمشي بين العدد الكبير من الناس هنا؟ هل المشي بالقرب منهم آمن؟
التحذيرات التي قرأتها سابقا تراوحت بين أن الفايروس لا ينتقل عبر الجو، وبين من
يؤكد إمكانية انتقاله عبر مسافة معينة.
اتخذت قراري ونزلت
من السيارة. كان هناك رجال ونساء من بنجلاديش، وآخرين من باكستان، وجماعات أخرى
جالسة على الأرض تبدو سحناتهم من أهل الشام. كنت متوجسا من القرب من أي أحد منهم،
لا لشيء إلا لما نسمع عنه من انتشار هذا الوباء بشكل تدريجي في مختلف اقطار العالم.
تمر في ذهني أفكار مختلفة، بين خوف وتطمين. سمعت اللهجة المصرية بين اثنين مررت
بهما، فقلقت أكثر. حينما تخطيتهما رأيت عائلات مصرية أخرى جالسة على الأرض وبعضهم
يشوي الطعام. تفاديت الرائحة خوفا من أن تنقل معها شيئا. القلق والخوف لا علاقة
لهما بالعقل. يمكن للمرء أن يصبح أكثر الناس جهلا حينما يكون خائفا. القناعات التي
يمكن أن تدخل رؤوسنا في مثل هذه الأوقات قد نضحك عليها في أوقات أخرى. الخوف كفيل
بأن يهدم حضارات أيضا. ما رأيناه من لقطات مصورة لمجتمعات متحضرة تتقاتل في
الأسواق على شراء البضائع يندي له جبين البشرية. إن أردت أن تتحكم في شعب، فما
عليك سوى بث الخوف فيه. قد يبدأ التهيج بين الطبقات غير المتعلمة، لكنه لن يلبث
طويلا حتى يصل للمتعلمين والمثقفين والنخبة. وقد قال آباؤنا: "الخوف يقطع
الجوف!"
في الكويت، قامت
الشرطة هناك باستخدام الطائرات الصغيرة الموجهة (درون) لرصد أي تجمع بين المقيمين
وتنبيههم لضرورة التفرق حالا، مستخدمة رسائل مسجلة بمختلف اللغات العربية والهندية
والبنغلاديشية وربما أخرى.
كنت متعبا جدا مع
حلول المساء. وحينما جاء وقت النوم، تقاذفتني الأفكار مرة أخرى حول زيارة الأمس.
الرجل الذي التقيناه كان قادما من إسبانيا قبل يومين فقط، أي يوم الثلاثاء. عدد
المصابين المكتشفين في إسبانيا أصبح متناميا واقترب من منافسة الإصابات في
إيطاليا.
حاولت طرد هذه
الأفكار، ولكني تذكرت أيضا تصريحات رئيس الوزراء البريطاني التي بثت الرعب في
النفوس. فهو بعد أن أطلق عبارات التحذير، ختمها بالقول: "استعدوا لفقدان أحبتكم!"
أي نوع من التصريحات هذا؟ كيف لبريطانيا التي ظلت لفترة لا تجري أية فحوصات على
الداخلين إليها من دول موبوءة كإيطاليا، أن تتحدث اليوم بهذه اللهجة المخيفة؟
حاولت النوم جاهدا
فلم أستطع. شاورت زميلي الذي رافقني في لقاء الأمس، أرسلت له خبرا صحفيا منقولا عن
رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانتشيث يبلغ فيه نيته عن إعلان حالة الطوارئ غدا، خاصة
أن الدولة أصبحت الثانية من حيث عدد الإصابات في أوروبا بعد إيطاليا، مع قول
سانتشيث أن العدد قد يتجاوز العشرة آلاف مصاب خلال الأسبوع المقبل. ومما زاد الطين
بلة، هو تصريح أمريكا الذي تداولته وسائل الإعلام، إذ وصفت فيها أوروبا بأنها قد
تحولت إلى بؤرة انتشار الفايروس إلى العالم. اتقفت أنا و(نون) على أن أكتب لجهة
العمل من منطلق الحرص على تحمل المسؤولية. فكتبت لهم أطلعهم على قلقنا.
ولأني أنام
وأستيقظ كثيرا هذه الأيام، فقد استيقظت بعد نحو ساعة، لأرى بأن رد اللجنة المكلفة
في جهة العمل: ننصحكم بالبقاء في منازلكم لمدة 14 يوما!
تحدثت مع (نون)
مباشرة. كان قلقا من بث الخوف بين أفراد عائلته. لم أتصور يوما أن تتحول الدعابة
إلى حقيقة أعيشها. هل أخبر العائلة؟ هل قلقي مبرر؟ هل قمنا بإجراءات لم توصي بها
اللجنة الوطنية؟ وزارة الصحة لم تضع إسبانيا ضمن الدول الموبوءة، ولكن هذا يتعارض
مع الأخبار المعلنة القادمة من هناك.
لا أدري إن كنت
خائفا حقيقة وقتها أم كان العمل الذي قمت به في نهاية اليوم من باب الفضول أو حتى
العبث. لكنني وجدت نفسي اتفق مع "نون" على أن نخاطب الإسباني، فربما
لديه ما يمكن أن يطمئننا – أو ربما، يزيدنا قلقا.
Comments
Post a Comment