سابع أيام الحجر.. مجهري يشل الحياة، ويحول الدول إلى كانتونات مغلقة

الأربعاء 25 مارس
(بعد مرور 89 يوما على تفشي الوباء عالميا)
(سابع أيام الحجر المنزلي)


أول ما فاجأني هذا الصباح، وأثار ضحكي وشجني في آن واحد، هو تغريدة لأحد النواب يشكر فيها "تجاوب البنوك، والبنك المركزي، وفريق البحرين" على ما "طرحه" لتأجيل القروض من غير فوائد.
مصيبة عظيمة ابتلينا فيها. مصيبة هؤلاء النواب فعلا. يكذب الفرد منهم كذبة على نفسه، وعلى من هم حوله، ثم يصدقها ويظل يركض بها يمينا وشمالا مذيعا لها ليلا نهارا كإنجاز له وهو يعرف أنه لا ناقة له فيها ولا جمل.
ربما هو أسلوب "اكذب اكذب ثم اكذب، حتى يصدق العالم كذبتك".
المبادرة حكومية من الأساس. وطرحها وزير المالية ضمن سلسلة من المبادرات التي اتخذتها الحكومة لتأمين السيولة في السوق وتوافرها لضمان استمرارية الحياة. وحينما صار حول تفاصيلها لغط، وتساءلت بعض البنوك عما إذا كانت ستغير أسعار الفائدة بعد هذا التأجيل، أصدر البنك المركزي بيانا توضيحيا أن القروض التي ستؤجل لن يتم احتساب فوائد إضافية عليها، ولا رسوم مصرفية، ولن تتغير الفوائد المرحلة عما هي عليه. تواصلت مع مسؤولين في المصرف المركزي، وهم أكدوا لي أن لا تغيير طرأ على الإعلان الأصلي. وأن ما قاله النائب من نسب الفضل لنفسه فيه غير صحيح البتة. دخول النواب في مناقشة الموضوع يشبه تماما دخول العامة في الحديث عنه في مجالسهم ودواوينهم. حينما يصدق نائب أنه وراء هذا التغيير، ويركض صائحا مناديا بذلك، فتلك مغالطة لا تغتفر.

بعد ظهر اليوم، أعلنت وسائل الإعلام عن إصابة الأمير تشارلز، وريث العرش البريطاني، بالفايروس. أما أسبانيا التي دخلها الفايروس حديثا، فقد ارتفعت الإصابات فيها لمستوى فاق عدد الموتى في الصين.
تخيل كثيرون أوبئة تمر بالبشرية فتغير مصير مدن أو دول. وكتب المؤلفون روايات وأخرج المنتجون أفلاما تتناول قصص شبيهة بتلك. لكننا لم ندر أننا سنشهد هذا الخيال ونراه بأم أعيننا. فايروس مجهري يشل الحياة، ينهك الدول ويحولها إلى كانتونات مغلقة، ويتطاول على رؤساء الدول العظمى كما يحصد أرواح الفقراء والعامة.

وها هي السعودية، في محاولة منها لتضييق الخناق على الفايروس، مددت حظر التجوال فيها ليبدأ من الساعة 3 عصرا. كما أغلقت أكبر ثلاث مدن فيها: العاصمة الرياض، والمدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، فلا تسمح بالدخول أو الخروج منها لا لسكانها ولا غيرهم.
مع الجلوس الطويل في المنزل، تنشأ الحاجة لخلق أجواء تغير الروتين، وتأتي بأشياء تروّح على النفس. بقاء عيالي الطويل مستخدمين أجهزتهم المختلفة: هواتف، ألواح ذكية، كومبيوتر، بلاي ستيشن، يخلق لديهم حالة من الملل لا يدركونها. هكذا نحن دائما، قد نعتاد فعل أمر ونتأقلم معه ونقبل به، لكننا حينما تفتح أمامنا الفرصة لفعل شيء آخر أكثر متعة نتعجب من صبرنا وبقائنا على حالنا الأول.
حملت سلالا صغيرة، وناديت العيال للخروج لقطاف الطماطم والتوت. فمع غياب المُزارع الذي اعتذر عن المجيء هذه الأيام لا بد لنا من الاهتمام بالحديقة بأنفسنا. وهي فرصة للأطفال لعمل شيء قدّرت أنهم سيسعدون به. في بادئ الأمر تلقيت الكثير من الزفرات والضيق ولمست التململ من إجبارهم على الخروج من دوائر الراحة التي رسموها لأنفسهم. حتى أن الصغير محمد قال بكل صراحة أنه سيهرب للداخل ما إن أغفل عنه. قلت لهم: "لن تعودوا للداخل طالما بقي لون أسود في الشجرة. اقطفوا كل حبات التوت الناضجة قبل أن أسمح لكم بالعودة." ما أسعدني بعد مضي بعض الوقت أنهم وجدوا في هذا العمل ما أمتعهم، وانخرطوا فيه بين ضحكة هنا وتعليق ساخر هناك. حين قلت لهم: كفى، هيا نعود. اعترض محمد مبديا حماسه لقطف المزيد: "بعدها فيها توت ناضج بابا!"
أذكر أني كتبت يوما: "ليتني كنت مزارعا في أحد جبال التبت، غاية همي أن أسقي حقل الأرز وأكبر مشاكلي تأخر بائع اللبن!"
لم أصبح مزارعا، وما زال لدي الكثير لأقلق من أجله. لكني شعرت بالسعادة وأنا أقطف التوت مع الصغار وآكل بعضه من غير أن أغسله حتى.
أكدت مصادر مختلفة أن طائرة أوكرانية ستقل الدفعة الثانية من العالقين في إيران هذه الليلة. الساعة الآن السابعة والثلث مساء، والموعد أن تصل الطائرة بعد نحو ساعة من الآن. أنا على يقين أن ألوف المواطنين يضعون أيديهم الآن على قلوبهم انتظارا للحظة وصولهم.

يحدث أن تتعلق بأمل ما، ثم في أثناء انتظارك لتحقق هذا الأمل يأتي ما يعكر صفو الانتظار أو في أسوء الحالات يختفي هذا الأمل للأبد. في أثناء انتظارنا لخبر وصول المسافرين، علمنا بوفاة المريض الرابع من ضحايا الفايروس. 

Comments

Post a Comment

Popular posts from this blog

سادس أيام الحجر.. وباء برتم أرجوحة

سارة وصديقتها

زيارة جميلة