ثاني أيام الحجر المنزلي


الجمعة 20 مارس
(بعد مرور 84 يوما على تفشي الوباء عالميا)
(ثاني أيام الحجر المنزلي)

الملك سلمان بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية، وجه كلمة للشعب البارحة تعهد فيها بالتزام الحكومة بتوفير الغداء والدواء للمواطنين في الفترة القادمة. وقال: "لقد تعودتم مني الصراحة"، ومضيفا: "نحن نمر بمرحلة صعبة وأن المرحلة المقبلة ستكون أكثر صعوبة على المستوى العالمي لمواجهة هذه الجائحة."
كان من الإجراءات التي قامت بها السعودية اليوم أنها منعت كل الرحلات الجوية والبرية بين مناطقها. ومع ذلك فلم تسلم البلاد من انتشار الفايروس. ففي هذا اليوم أعلنت المملكة أيضا عن اكتشاف 90 حالة إصابة بالمرض بين مواطنيها ممن خالطوا مرضى سابقين.
اليوم هو الثاني من حجري بالمنزل. حجزت على نفسي في غرفة المكتب بالبيت. هنا أنام. هنا أتناول طعامي. هنا أكتب. هنا أقرأ الأخبار. هنا أعمل. وهنا ستولد بعض أحلامي، وقد تموت أحلام أخرى أيضا.

لا بد أن أعد نفسي لآلف نفس المنوال اليومي في مكان واحد لأيام أتمنى ألا تطول. إذ أني لست معتادا على البقاء في المنزل كل هذا الوقت. هذا عدا الإحساس بأنني مصدر وباء أو ربما أنثر الفايروسات في كل ما هو حولي من أشياء. ألامس كل شيء حولي بحذر. أحرص على ألا أمس شيئا سينتقل إلى خارج الغرفة إلى حيث يقضي بقية العائلة وقتهم.
زاد حمل المسؤولية على زوجتي أكثر. ففوق اهتمامها بالعيال أثناء انشغالي بالخارج، صرت عالة أخرى إضافية ومفاجئة. فمع كل وجبة يتم إعدادها للصغار، كانت هناك وجبة أخرى تعدها للمحجور عليه في الداخل.

الإحباط يسود كل نقاش في الفضاء الافتراضي واليومي يتناول الفايروس. إنما هناك إجماع عام على الجهود الكبيرة التي يبذلها الكادر الطبي لمباشرة الحالات ومعالجتها. غير أن الغالبية أيضا ليسوا راضين عما يمر به البحرينيون العالقون في إيران من تجربة لا بد سترسخ في العقول لعقود قادمة.
كثيرة هي الفيديوات المصورة المرسلة من هناك. آلمني اليوم إحداها كان يتحدث فيه رجل بصوت أنهكه السعال وضيق النفس. الكاميرا مركزة على أبيه المسن الجالس على الأرض، ويقول بصوته المتقطع بين أنفاسه الموجوعة والثقيلة: "وين الإنسانية.. مفلوتين هني محد يتذكرنا. أبويي رجال كبير.. فقد عقله. وأنا مريض ما أقدر أسوي شي. ويش اسوي؟ ما في إيدي شي أسويه. لا حول ولا قوة إلا بالله!"
الأب المسن ما هو إلا الحاج "عين" من قرية المصلى. كنت ألتقيه بحكم زياراته المتكررة لمختلف المجالس في قريتنا كذلك، والصورة التي أحملها عنه دائما منذ صغري كانت لرجل مهندم، خلوق، يراعي الآخرين جدا ويبتسم لهم طوال الوقت، ولا يُرى إلا لابسا الثياب الأنيقة والمعطرة.
حين يصل اليأس بالرجال لمرحلة انعدام الحيلة ينكسر فيهم شيئا يصعب إصلاحه. الألم مذل. فما بالك لو غابت الرعاية ولم تمتد يد المساعدة، وأنت في بلاد غريبة عنك هي موبوءة أصلا ومصابة لحد يموت فيها شعبها بمعدل واحد لكل عشر دقائق.
رغم أنه ملف شائك اختلفت حوله الآراء. فقد وصلتني رسائل من الدكتور "سين سين" في صباح اليوم الجمعة تقول أن العالقين في إيران عرفوا قدر حكومتهم أخيرا بعد أن قامت إيران بطردهم من الفنادق التي يقيمون فيها. تتناوشني الكثير من الأفكار والمشاعر تجاه مثل هذه الكلمات الملقاة كحبل ملقى على القارب كما يقال. نحن في وقت وزمن نحتاج جدا للتأكيد فيه على ضرورة التكاتف والتلاحم، وغريب جدا أن يسترسل الطائفيون في تأجيج أوار نيرانهم. نحمد الله كثيرا على قيادة تعرف قيمة هذا البلد وشعبه وتراعي مصالحهم جميعا.

انتشر خبر لبعض أولئك العالقين في إيران أنهم ركبوا عددا من الرحلات غير مباشرة عبر عدد من العواصم حتى تمكنوا من الوصول إلى البحرين. ما إن حل المساء حتى انتشر تسجيل صوتي ينعت من نشر الخبر بمختلف الصفات النكرة ذلك لأنهم - بحسب رأي صاحب التسجيل - حينما نشروا الخبر عن تمكن العائدين من سلك طريق غير مباشر حتى قامت الجهات الرسمية بمنع من تبقى من العالقين من ركوب ذات الرحلة غير المباشرة.

لهذه الأزمة محاسنها أيضا. محاسن لم نكن لنتمنى أن تتحقق عن هذا الطريق. ففي السنوات الأخيرة توجه البحرينيون والخليجيون عموما للاعتماد على المطاعم والمقاهي اعتمادا كبيرا جدا ليس فقط من أجل تأمين وجباتهم، بل من باب الترفيه أيضا. لكن ما حدث في اليومين الذين تليا إغلاق المطاعم والمقاهي، أن عاد الناس ليبحثوا عن أماكن عامة تركوها لسنوات ليقضون فيها أوقاتهم حينما يملون المنازل. صعب جدا أن يلتزم شعب بأكمله لنداءات البقاء في المنازل. فبالرغم من أن الجميع – حكومة ومؤثرين اجتماعيين وغيرهم – كانوا يحثون الناس على البقاء في المنازل لتجنب الاحتكاك ببعضهم البعض وعدم الخروج إلا للضرورات، إلا أن عددا كبيرا من الناس وجد في السواحل والحدائق مقصدا بديلا لهم عن المجمعات.

Comments

Popular posts from this blog

سادس أيام الحجر.. وباء برتم أرجوحة

سارة وصديقتها

زيارة جميلة