33 مصابا قادما من إيران


الخميس 27 فبراير
(بعد مرور 62 يوما على تفشي المرض عالميا)


حينما فتحت عيني هذا الصباح، كان لدي إحساسا غريبا لم أعرفه حتى الآن ونحن في منتصف النهار. كنت أفكر في ضعف هذا الإنسان الذي يتجبر أحيانا ويظلم أحايين أخرى. يتجبر على أهله، ويظلم جيرانه، ويستأسد على الضعيف يمينا ويسارا. لكنه يضعف من المجهول ويخاف منه حتى العظم كما يقال.

هذا الصباح في سوق المنامة رأيت كيف يمشي الناس وهم خائفين من ملامسة أي شيء حولهم. كان أكثر لابسي الأقنعة الواقية من الآسيويين. العاصمة عموما مليئة بهؤلاء كثيرا بل هم سمتها الأبرز اليوم بعد أن قل فيها التاجر والمشتري المحلي.
أول الأخبار التي تناولتها وسائل الإعلام المحلية اليوم هي ثلاثة: وقف جميع الرحلات القادمة والمغادرة من العراق ولبنان، واكتشاف 6 حالات إصابة جديدة بين البحرينيين قادمين من إيران، ووقف اعتماد بطاقة الهوية وثيقة كافية للسفر بين دول الخليج. الخبر الأخير يحمل الكثير من التفاسير. لا بد أن واحدا منها أن الإجراء غرضه التعرف على الأماكن التي زارها المسافر والتي ستظهر في جوازه من الأختام المدمغة فيها.
لا زلت شخصيا أستسخف جميع الافتراضات السياسية التي تتهم الإجراءات الاحترازية المعلن عنها بأنها تهدف للإضرار بطائفة أو فئة من الناس. حينما أرى شخصا يكمم فمه في العلن في وسط بلد صغير كالبحرين التي لم يثبت للآن وجود مصاب واحد على أرضها بل جميعهم قادمون من الخارج، ثم أرى أن ذات الشخص يشير إلى أن الانتقام هو السبب وراء أي إجراء رسمي لا يتجاوز احتجاز الأشخاص وفحصهم في حجر صحي رغم كلفته وسط ظروف اقتصادية غير مواتية، حينما أرى كل ذلك لا يسعني إلا أن استخف بهذه الاحتمالات.
مع حلول الساعات الأولى هذا الصباح صار بيننا 33 مصابا جميعهم قادمين من إيران. المقلق أن التقديرات لعدد البحرينيين الموجودين في إيران اليوم تصل إلى أكثر من ألف زائر.
انتشر كذلك خبر تعليق السعودية للسفر للعمرة، ولم يكن ذلك مؤكدا رسميا بالمرة حتى اليوم.
الاتحاد الدولي للنقل الجوي (آياتا) كشف عن تراجع بنسبة 13% في مستوى الطلب على الرحلات الجوية بمنطقة آسيا والمحيط الهادي، وعلى عكس التوقعات التي كانت تشير إلى نمو 4.8% في شركات قطاع الطيران بالمنطقة، سيشهد القطاع انكماشا بنسبة 8.2% طوال العام 2020.
أما إيرادات شركات الطيران في منطقة آسيا والمحيط الهادي ستسجل في عام 2020 خسائر متوقعة بقيمة 27.8 مليار دولار يتحمل الجزء الأكبر منها شركات مسجلة في الصين. ومن المتوقع أن تخسر شركات الطيران خارج هذه المنطقة إيرادات قدرها 1.5 مليار دولار ليصل اجمالي الإيرادات العالمية المفقودة 29.3 مليار دولار.
لم أكن على ما يرام اليوم أساسا. وحينما اخترت أن أقوم ببعض الأعمال متخذا من أحد المقاهي مكانا للقيام بذلك، لاحظت علامات القلق والوسواس على تصرفات عامل المقهى الذي كان خائفا ولم يقترب مني. استغربت من تصرفه، وللحقيقة – وهذا شيء مؤسف – تضاحكت من الداخل. فكيف لشخص لا يجيد تنظيف طاولة الطعام المليئة بالغبار، أن لا يفوت انتقال شيء لا تراه العين كالفايروس من شخص لآخر.
لكن الإجابة على سبب خوفه مني جاءتني سريعا. إذ لاحظت أنني أسعل بشكل خفيفة بين لحظة وأخرى. وللحقيقة، فقد تسلل القلق إليّ أنا أيضا بعد ذلك. إذ لم أكن مريضا حتى الأمس.. فمن أي أتى هذا السعال؟
صرت بعدها أسعل للداخل. لا أدري إن كان هذا الوصف صحيحا، لكني هكذا فعلت. كنت أخفي سعالي ولا أرفع صوتي به، مع أني كنت في السابق أثير ضحك من حولي حينما أسعل أو أعطس إذ لم أكن أتردد في إصدار صوت عال أثناءهما.
كنت منذ الأمس قد رتبت لحجز مخيم للمبيت فيه مع العائلة هذا المساء في منطقة الصخير البرية. أبلغت أخواتي وأخواني عن هذا الحجز، ودعوتهم للاستعداد لمشاركتنا الحضور لكي نقضي وقتا عائليا في مكان غير معتاد بالنسبة لنا، ونسعد بهذه الصحبة التي قلما تتكرر. إحدى أخواتي ترددت في تأكيد مشاركتها، بحجة أن زوجها كان متعبا ولم يعطها جوابا واضحا حول مجيئه.
بعد ش
يء من الإصرار، أفصحت لي أختي عن أن زوجها: "قلق من بعض الأعراض التي لديه. فدرجة حرارته مرتفعة قليلا وهو يكح. لا يريد أن يختلط بأحد."
أعلن تعليق صلاة الجمعة يوم غد في جامع قرية عالي. كان الإعلان شبه يتيم ولم أسمع أن غير الجامع أعلن عن مثل هذا الإجراء.
دائرتا الأوقاف الجعفرية والسنية أعلنتا عن تدابير متخذة ضمن الحملة الوطنية لمكافحة الفيروس. كان ذلك بناء على توجيه مجلس الوزراء بتكليفهما بالمساهمة في جهود التوعية. لم تفصح الإدارتان عن التدابير، ولكنهما قامتا بتوزيع ملصقات توعوية عكفت على توزيعها وتثبيتها في المساجد، والمآتم والحسينيات في مناطق بالبحرين. وتم التقاط عدد من الصور لأفراد يقومون بتثبيت مثل هذه الملصقات على دور العبادة. (الصورة)
وزارة الصحة دعت كل من سافر في فبراير لإيران إلى القدوم لإجراء الفحوصات الطبية. تردد كثيرون، وأخفى بعضهم أنه كان فعلا مسافرا إلى إيران. استجاب آخرون من منطلق الإحساس بالمسؤولية.
كنا نستعد للحفل الأول من فعاليات مهرجان ربيع الثقافة الذي بدأ منذ أسبوع. لكن تحت وطأة تواتر الأخبار السيئة ومع رؤية مستوى انتشار الفايروس، أعلن المنظمون إلغاء حفل "مدام لورين هيل". غضب كثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي ناقمين على هذا الإلغاء. بينما رحب قليلون بذلك درءً لأي تفاقم للمرض. ما لم يعرفه الكثيرون أن الكواليس احتوت على الكثير من النقاش. فالرحلات الجوية كانت معلقة بين دبي والبحرين. والمغنية الأمريكية التي أدت حفلا في دبي كانت في تواصل مع منظمي حفل البحرين. وفي ظل الحظر كانت هناك خيارات أخرى مطروحة: هل تأتي في رحلة من مطار أبوظبي؟ أم تستأجر سيارة لتسافر إلينا بالبر؟ وحتى آخر لحظة قبل الإلغاء كان المقترح أن تأتي من غير أفراد فرقتها الذين كانوا خائفين من المطارات، وأن توضع موسيقى مسجلة عوضا عن العازفين. لم يكن هذا ليكون خيارات جيدا للجمهور. فكان لا بد من الإلغاء.  

Comments

Popular posts from this blog

قصوا ذيل السمكة

سابع أيام الحجر.. مجهري يشل الحياة، ويحول الدول إلى كانتونات مغلقة

خامس أيام الحجر.. أنا المزارع