وقف المدارس يوقظنا



الثلاثاء 25 فبراير
(بعد مرور 60 يوما على تفشي الوباء عالميا)

ربما لم نكن مستوعبين حجم الكارثة حتى اليوم.. كان إعلان إصابة بحرينيين بالفايروس خبرا غير متوقع إطلاقا. بل أكاد أجزم أنه لم يكن في خيال أو حسبان الكثيرين إن لم يكن الجميع.
بل وربما لم نكن ندرك مدى جدية الأمر حتى جاء الإعلان المفاجئ هذا اليوم: أن الحكومة قررت إيقاف الدراسة في جميع مدارس البحرين لمدة أسبوعين.. هكذا فجأة.

كنا نتضاحك في الصباح على إجراءات الحماية المعلنة، والتي شملت التوصية: بشرب المزيد من الماء، والحرص على ممارسة الرياضة، والنوم مبكرا." حتى قال أحدهم: "إذا، فإجراءنا لمكافحة انتشار الفايروس هو مواصلة النوم؟"
غير أن خبر إغلاق المدارس جاء بنقلة جديدة لم أكن أتوقعها شخصيا.. بل في الحقيقة قد سرى الخبر كما تسري موجة إشعاع باردة في عمودي الفقري..

جاء الإعلان في مؤتمر صحفي عقدته وزارة الصحة هو الأول من سلسلة مؤتمرات شبه يومية غرضها الإفصاح عن أية تفاصيل للجمهور. وهو إجراء لا شك كان مطمئنا ونال استحسان الداخل والخارج.
حينما دخلت المنزل قادما من العمل في ذات المساء، كان المؤتمر الذي نُقلت حيثياته عبر التلفزيون الرسمي قد انتهى للتو. محمد ولدي كان يلعب "بلاي ستيشن". وما إن رآني حتى بادرني بالسؤال: "هل وصلك الخبر؟" ثم لم ينتظر إجابتي كعادته، بل استرسل: "قفلوا المدارس.. أسبوعين!"
أما ابنتي سارة فقالت: "لا أدري هل أفرح بهذه الإجازة أم أحزن". وحينما سألتها عن السبب أجابت: "لأني متأكدة أن امتحانات هذا العام ستكون بعد العيد.. يعني (بيخربون) علينا إجازة العيد!"

في الفضاءات الالكترونية، زاد النقاش بين المتداخلين واتخذ مختلف المناحي القريبة من الموضوع والبعيدة عنه. لكن ما لم نكن محتاجين إليه في هذا الوقت هو وجود أولئك الذين أخذوا مواقف قائمة على الانتماء الطائفي. ذلك أن أكثر المصابين المعلن عنهم ينتمون لطائفة واحدة، فكان هذا مغذيا لبعض ضعاف النفوس بين متعاطف ومناوئ للنيل من بعضهم البعض. الطائفية البغيضة التي تطل علينا برأسها بين عقد وآخر، تجد من يغذيها ويألف وجودها ويعتاش على فتنها في آن واحد. في هذا اليوم انتشر مقطع لرجل يدّعي أنه دكتور وقال ما معناه: ضعوا جميع المصابين في جزر حوار، لعلهم يسقطون في البحر ونتخلص منهم.
نشر هذا المقطع الكثيرون، دون التحقق فعلا ما إذا كان المتحدث طبيبا أم لا. وللأسف فقد نشره صحفيون في حساباتهم بصورة قد تزيد الطين بلة.

قبل وصولي للمنزل، مررت بالبقالة القريبة للتبضع منها. فسمعت المحاسب فيها يبادر زميلا له بالقول: "يقولون لك خلاص.. إيران طلّعت دوا للمرض".. فأجابه الآخر: "اليوم أنا اتصلت لفلان (ذكر الاسم) في إيران.. يقول لك ما في أي شي.. الشوارع مليانة، والناس رايحه جايه.. ولا في شي."
التقارير القادمة من إيران لم تكن متضاربة بقدر ما كانت تشير إلى إخفاء متعمد لحجم الإصابات فيها. فسر البعض بأن إخفاء العدد الحقيقي كان لخوف المسؤولين هناك من أن يؤثر إعلان الأرقام الحقيقية على عدد المشاركين في الانتخابات. التقارير ذاتها أشارت إلى أن العدد المعلن عن حجم الإصابات بدأ يتسارع بشكل مثير للدهشة بعد انتهاء الانتخابات. بطبيعة الحال لا يمكنني التأكد من تلك المزاعم ولكني أنقلها كما تناولتها صحف متعددة.

اليوم هو الثلاثاء، وهو يوم انعقاد مجلس النواب في البحرين. وقد أبدع النواب في أطروحاتهم اليوم. لا أدري إن كان بعضهم يعرف حقيقة أنهم نوابا، وليسوا نُوّاحًا. فهم يكثرون الشكوى، والتذمر من الجهات التي لا تولي اهتماما بهم أو بشكواهم. كثيرا ما يحضرني تعليق الشيخة مي آل خليفة لهم حين قالت أثناء انسحابها من جلسة حضرتها وهي تخاطبهم: انتوا "مب ريايل".  

في المؤتمر الصحفي الذي عقدته وزارة الصحة عند السادسة والنصف هذا المساء، ونقلت حيثياته على الهواء مباشرة على تلفزيون البحرين. كان الرقم الذي أعلنه المسؤول في أول المؤتمر هو 22 مصابا بمرض كورونا. وقد أعلن في ذات المؤتمر عن إغلاق المدارس وتعطيل الهيئات التعليمية لمدة أسبوعين سلامة للطلاب وللحفاظ عليهم.

لم ينته المؤتمر حتى تم الإعلان عن إصابة اثنين آخرين ليرتفع الرقم إلى 24.

عالميا، كانت هناك حرب إعلامية حول أسباب انتشار هذا الفايروس. وتحدث مسؤولون أمريكيون أكثر من مرة عن حملة تقوم بها روسيا للترويج أن أمريكا هي من افتعل هذا الفايروس ونشره.
ونشرت وسائل الإعلام عن فيليب ريكر مساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا وأوراسيا قوله:
"من خلال بث معلومات مضللة حول فيروس كورونا تختار أطراف روسية سيئة النية مرة جديدة تهديد السلامة العامة من خلال حرف الانتباه عن إيجاد رد عالمي" على الوباء.
ويؤكد المسؤولون في الخارجية الأمريكية المكلفون مكافحة التضليل الإعلامي الروسي أن حسابات باسماء أشخاص وهميين تعيد بث هجمات روسية ليس فقط بالإنكليزية بل بالفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية أيضاً.
بعد وصولي للمنزل، كان أو شيء سُئِلتُ عنه هو "المعقّم". وحينما قلت أني لم أتمكن من الحصول عليه لأنه لم يكن متوافرا في الدكانين اللذين ذهبت إليهما، طلب مني أن أبحث عنه لاحقا من أماكن أخرى. ولأني متعب، اعتذرت عن ذلك وأجلته للغد، ومضيت لغرفة المكتب لأبدأ هذه المذكرات.. ولا بد أني نمت بعد كتابة السطور الأولى فيها بسبب التعب.

أذكر أنني استيقظت هذه الليلة عددا من المرات. كان الجو حارا بعض الشيء. وقد اضطررت لإشعال المكيف رغم أننا كنا على مبعدة أسبوع واحد من انتهاء "سعد الذابح" 😊


Comments

Popular posts from this blog

قصوا ذيل السمكة

سابع أيام الحجر.. مجهري يشل الحياة، ويحول الدول إلى كانتونات مغلقة

خامس أيام الحجر.. أنا المزارع