الناس تبحث عن الحقيقة، فإن لم تجدها صدقت الإشاعة



الأحد 1 مارس
(بعد مرور 65 يوما على تفشي المرض عالميا)

بحلول هذا اليوم، وصل عدد المتوفين من الفيروس عالميا حوالي 3 آلاف. وقد دخل 70 دولة وإقليم، وأصيب به أكثر من 88 ألف شخص.

بدأت أحداث اليوم في البحرين ببيان صادر من بعض شيوخ الدين، عنونته الصحف بـ "بيان لكبار علماء البحرين"، وفيه يوجهون لإيقاف الفعاليات الدينية التي تتطلب تجمعا. ونشر البيان في مختلف وسائل الإعلام، وهو مذيل بأسماء ثلاث شيوخ دين وهم: السيد عبدالله الغريفي، والشيخ محمد صالح الربيعي، والشيخ محمد صنقور.
ومما جاء في البيان: "عملا بالتكليف الشرعي، ندعو الأخوة في إدارات المآتم والمواقع الدينية الأخرى رجلا ونساء إلى إيقاف كافة الفعاليات الدينية والاجتماعية بقية هذا الأسبوع والأسبوع القادم والالتزام بتوصيات ذوي الاختصاص منعا لانتشار هذا الوباء. "

أسرّ لي أحدهم بأن الحجر الصحي يتضمن أفرادا محتجزين ليسوا قادمين من إيران. هناك لبس لدى الناس أحيانا في فهم الفرق بين الحجر الصحي، والعلاج. كل من أعلن رسميا عن إصابتهم بالفايروس كانوا قادمين من إيران حتى هذا اليوم. من نقل لي "خبر" أن هناك آخرين محتجزين قادمين من دول أخرى غير إيران، لم يكن قادرا على تأكيد ما إذا كان هؤلاء ضمن العدد المعلن عنه، أم هم آخرون.
الناس يميلون إلى تصديق كل الأخبار غير الرسمية أكثر من هذه الأخرى. بل يعتقد البعض أن نفي الجهات الرسمية لأي خبر إنما هو تأكيد لذلك الخبر.
في نظري أن الناس يسعون وراء الحقيقة ولا يريدون غيرها. لكن إذا تأخرت عليهم الحقيقة من الجانب الرسمي، فسوف يلقون أسماعهم لكل من يأتيهم بالأخبار دون التثبت منها. كما أن الناس يحبون أيضا المبالغات، ولديهم استعداد غريب في تصديق كل ما هو مبالغ من أخبار – في ظاهرة تستحق الدراسة فعلا.

أمر آخر حول الأخبار ومصادرها، هو أن الإعلام الرسمي ولا أخص به إعلام الدول، بل ينطبق حتى على الإعلام الخاص، ولا أحدده في دولة دون أخرى ولا مجتمع دون آخر، يضيّق على المصادر غير الرسمية أحيانا بوعي، وأحايين أخرى من غير وعي. هذا التضيق يكون له ما يبرره من وجهة النظر الرسمية، ألا وهو الحرص على عدم انتشار الأخبار غير الدقيقة، أو المهيجة للرأي العام. وهم من أجل ذلك يحرصون على أن تنشر كل الجهات الخبر الرسمي كما هو من غير تغيير. مما يوصله للناس من خلال كلمات منمقة ومصفوفة بعناية لكنها تبعث أحيانا الملل في نفوس القراء وهو ما لا يريده من يقف وراء الإعلام الرسمي بطبيعة الحال.
قد نحتاج لدراسة هذا الأمر بشكل تفصيلي ونرى ما إن كانت تلك المحاولات الرسمية قد خنقت الصحف ووسائل الإعلام المستقلة حتى صارت تلك الوسائل نفسها غير مصدقة من قبل الجمهور، وبالتالي فقد خنق الإعلام الرسمي المنفذ الذي كان يمكن له أن يستغله لإيصال الأخبار الرسمية بشكل يرغب القارئ أو المشاهد في تلقيه.
عموما، وكما أسلفت، فالناس تحب أن تستمع للخبر غير الرسمي وتتلذذ بتصديق تفاصيله الغريبة.

ألم أقل من قبل أن الصفعات كانت تأتي تدريجيا في بعض المرات ومفاجئة في مرات أخرى؟ اليوم ترأس جلالة الملك جلسة الوزراء الأسبوعية، وكانت الرسالة الأهم التي رسخت في بالي هي في قوله أن "الحياة ستستمر". كانت الرسالة إيجابية جدا، لكنني استشفيت منها تنبيها لأيام ثقيلة قادمة.

مع حلول المغرب من هذا اليوم، أعلنت وزارة الصحة السعودية عن اكتشاف أول حالة إصابة بالمرض، وهي لمواطن سعودي قادم من إيران عبر البحرين.
وجاء بالبيان: "تطمئن الوزارة الجميع بأن الحالة معزولة حاليا في المستشفى، وجاري التعامل معها وتقديم الخدمة الصحية وفق الإجراءات الصحية المعتمدة".
وحقيقة، فإن تأخر اكتشاف السعودية لأي من الحالات يثير الكثير من الأسئلة. خاصة أن الدولة مترامية الأطراف ولديها حدود مع سبع دول أخرى وفيها كثيرون ممن يسافرون بشكل مستمر لإيران كما أن هناك آلاف السعوديين في الصين إما للدراسة أو السياحة أو العمل والتجارة. بل الأكثر من ذلك، أنها موطن الحرمين الشريفين ويؤمها مئات الألوف من مختلف أصقاع العالم في خارج أيام الحج، والملايين في أثنائه. كما أن عدد المواطنين السعوديين الذين سافروا لكل الدول الموبوءة كبير جدا ولا بد أن فيهم الألوف ممن عادوا لتوهم من هذه الدول. ببساطة – عدم إصابة أي سعودي بمرض كورونا حتى هذا التاريخ تعد معجزة عصية على الفهم.
أما مصر، فتلك قصة أخرى. فقد التزمت مصر بالإعلان أنها خالية من المرض. وأن الحالة الوحيدة التي تم اكتشافها كانت لصيني، وقد أفلح المصريون في علاجه.

نفت مصر وجود أي مصاب لديها حتى اليوم. بل ذهبت لأبعد من هذا، فهي أرسلت وزيرة الصحة المصرية الدكتورة هالة زايد إلى بكين، وهي عقدت مؤتمرا صحفيا أعربت فيه عن تضامن مصر مع الصين في محنتها. وكشفت أن الصين قدمت لمصر وثائق فنية مهمة ستفيدها في الإجراءات الاحترازية للسيطرة على المرض.
وفي إثر الإعلان، هب الكثير من المغردين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي للسخرية من خطوة مصر التي لم يروا فيها ما يبررها بحسب قولهم. وقد تناولت ذلك قنوات مثل الجزيرة التي لديها موقف معاد من مصر على كل حال.
لم يكن لدي موقف معارض لما قامت به مصر وإن كنت لا أفهمه على المستوى السياسي والاقتصادي. لدي شعور قوي بأن الخطوة المصرية لا بد وأن لها ما يبررها من وجهة نظر المسؤول المصري، وربما تفصح الأيام القادمة عن ذلك.

بالعودة للبحرين، فقد أعلنت وزارة الصحة عن رصد حالتين جديدتين مصابتين بالمرض: إحداهما لمواطنة بحرينية، والثانية لمواطن سعودي، ليبلغ العدد الكلي للمصابين بالفيروس في المملكة إلى 49 شخصا.
وأعلنت وكالة أنباء البحرين: "أوضحت الوزارة أن الحالتين الجديدتين كانتا قد وصلتا عن طريق رحلات جوية غير مباشرة من إيران عبر مطار البحرين الدولي وتم اجراء جميع التحاليل اللازمة لهما في القاعة المخصصة في المطار لفحص القادمين من الدول الموبوءة، وتم وضعهما في الحجر الصحي الاحترازي وفق الإجراءات المتبعة لحجر القادمين من الدول الموبوءة لمدة 14 يوما، وبعد ظهور أعراض الاشتباه بالإصابة بالفيروس تم إجراء التحاليل المخبرية لهما التي أكدت إصابتهما بالفيروس حيث تم نقلهما فورا إلى إحدى المراكز الخاصة بالعزل والعلاج وهما في وضع صحي مستقر."

Comments

Popular posts from this blog

قصوا ذيل السمكة

سابع أيام الحجر.. مجهري يشل الحياة، ويحول الدول إلى كانتونات مغلقة

خامس أيام الحجر.. أنا المزارع